تلعب الأحزاب السياسية في المجتمعات التي تسير وفق النهج الديمقراطي الليبرالي دورا مهما وكبيرا في مجمل العملية السياسية والاجتماعية, حيث يوفر الدستور الدائم لهذه الأحزاب الحجة القانونية في حرية التعبير عن افكارها وتحقيق برامج عملها عبر وسائل مشروعة ومسموح بها في هذه المجتمعات, وكذلك المشاركة في النظام السياسي على ضوء ما تفرزه نتائج الانتخابات, وبالتالي في صنع واتخاذ القرارات التي تتفق وبرنامج عمل الحزب وتقدم المجتمع. تعمل الأحزاب السياسية في ظل الأنظمة الديمقراطية الليبرالية, كحلقة وصل مابين الشعب والدولة.. والمجتمع يعيش في حركة مستمرة على كل المستويات... والتعددية ألسياسية هي دليل على نشاطه وصحة توجهه نحو التقدم والتطور.. لبناء دولة عصرية يسودها الأمن والاستقرار والقانون التي هي ركائز المجتمع المدني المنشود.
اما في المجتمعات ذات الأنظمة الشمولية فتكون العلاقة بين الحزب والدولة والحزب والشعب علاقة غير واضحة المعالم ومتداخلة فيما بعضها البعض . فالحزب لا يعكس في هذه المجتمعات مصالح الشعب وتطلعاته نحو الحرية, بل يفرض على (الشعب) القبول بقناعة سياسية جاهزة تصب في نهاية المطاف في خدمة نخبة معينة من المنتفعين من صناع القرار لتكون الأرضية الخصبة لولادة الدكتاتورية , حيث يصبح الحزب جزءا من أجهزة النظام الدكتاتوري وأداة لقمع المواطن واغتصاب حريته
ما هو الحزب.. ؟
هناك تعاريف مختلفة ومتعددة للتحزب السياسي...ويعود ذلك الى اختلاف وتنوع الأسس الفكرية والأيدلوجية التي تستند عليها هذه التعاريف, فمثلا الأحزاب الشيوعية, أعتمادا على الفكر الماركسي اللينيني يعتبره الحزب أداة الطبقة العاملة للتغيير الثوري وتحقيق دكتاتورية البروليتاريا ومن ثم المجتمع الشيوعي فيما بعد .. وليس ساحة لأنعتاق الطاقات الفردية الخلاقة.
اما ماكـس ويبر(1864-1920) فيعتمد في تعريفه على البعد الاجتماعي , حيث يرى ان الحزب عبارة عن مؤسسات اجتماعية تقوم على أساس الانضمام الطوعي, لغرض توفير القدرة لقيادته من اجل تحقيق الهدف الموضوعي ... والفرصة لأعضائه من اجل الحصول على منافع شخصية.
ان الأحزاب عبارة عن تنظيمات ذات أهداف وطموحات سياسية وفكرية معينة . تعمل فيها مجموعة من الناس, أعضاء وأصدقاء, ترى في هذه الهيئات الآلية لتحقيق طموحات وأمنيات لمستقبل أفضل....
وتتسع مساحة اهتمام الحزب لتشمل كل مرافق الحياة, التي يحاول إدارتها و صياغتها و التأثير عليها بالشكل الذي يتناسب وبرنامج عمله ونظامه الداخلي.. والذي يستند بدوره على المنهج الفكري الذي يتبناه. يعتبر الحزب ايضا بانه حلقة الوصل بين الشعب والدولة .... فهو من جهة, يوجه في مراحل عمله رغبات أعضاءه وأصدقاءه, يجمعها, يرشحها و يبلورها بالشكل المناسب على شكل مطالب(توحيد الآراء المختلفة والتعبير عنها), ومن ثم يعرضها على الحكومة او في مجلس الشعب (المراقبة والمحاسبة), محاولا استعمال كل الإمكانات المشروعة والسلمية لإعطاء مطلبه هذا زخما قويا يعجل في تحقيقها, من جهة أخرى ينقل رأيه واستنتاجاته حول سياسة الدولة إلى الشعب(رفع مستوى الوعي السياسي), ولتكون محصلته في النهاية تفعيل دور الفرد للمساهمة الفعالة داخل المجتمع(المساهمة والمشاركة بعملية صنع القرار السياسي). ان عمل ونشاط الحزب يجب يتسم بالديمومة وان لا يقتصر للفترة الانتخابية فقط.
يتضح مما تقدم ان دور الحزب يتمثل بالأمور التالية:
ــ حلقة وصل بين الشعب والدولة.
ــ توحيد الآراء المختلفة والتعبير عنها.
ــ المراقبة والمحاسبة.
ــ رفع مستوى الوعي السياسي.
ــ المساهمة والمشاركة في عملية صنع القرار السياسي.
ان السؤال المهم هو.. مالذي يجعل المنظمة حزبا سياسيا؟
ــ ان يؤثر الحزب بشكل واضح في تكوين الرغبة السياسية.
ــ يستمر التأثير السياسي للحزب لفترة زمنية طويلة ويمتد ليشمل مساحة واسعة.
ــ المساهمة في الحياة السياسية بشكل فعال.
ــ عدد أعضاء الحزب يجب ان لايقل عن الحد الذي يفقد فيه مصداقيته في تحقيق برنامج عمله.
ــ يمتلك الحزب ومنظماته القدرة على الاستمرار بالعمل.
ــ المشاركة في الانتخابات للحصول على اكبر عدد من النواب داخل البرلمان
جذور الأحزاب السياسية...
ان ظاهرة الأحزاب والتنظيمات السياسية ظاهرة حديثة, تعود جذورها الى منتصف القرن التاسع عشر, ففي اوربا بدا مفهوم الحزب يتبلور ويحل محل الرابطات الأممية والحركات العمالية الفكرية بعد ان نشر ماركس(1818-1883) وانجلس(1820-1895) " البيان الشيوعي " عام 1848 الذي حمل عنوان "بيان الحزب الشيوعي" , واستمرت تجارب تأسيس احزاب سياسية مختلفة كالأحزاب الاشتراكية الثورية او الاشتراكية الشيوعية حتى مجيىء لينين(1870-1924) الذي وضع في كتابه الشهير "ماالعمل؟" مستندا على افكار ماركس, ليفسرمفهوم الحزب الماركسي الثوري وتأكيده على التغيير الثوري لتحقيق دكتاتورية البروليتاريا كهدف سياسي للدولة..
والمركزية الديمقراطية كقاعدة تنظيمية داخل الحزب. وقد سيطر هذا الحزب على السلطة في روسيا القيصرية عام 1918 واقام نظام الحزب الواحد , الذي أصبح تجربة احتذت بها الأحزاب الشيوعية في أوربا الشرقية وفرضته على شعوبها بعد الحرب العالمية الثانية وبدعم الإتحاد السوفييتي انذاك .
وبالضد من هذا التوجه تكونت في نهايات القرن التاسع عشر احزاب الأشتراكية الديمقراطية والأحزاب المحافظة والليبرالية الأخرى,التي اعتمدت الأسلوب الديمقراطي والصراع داخل البرلمان لتحقيق الهدف والوصول الى السلطة التشريعية والتنفيذية . وقد طبقت هذه الأحزاب نظام التعددية الحزبية في اوربا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية واستطاعت من خلاله تحقيق منجزات ضخمة على كل المستويات السياسية وأقتصادية والثقافية.
ان النظام المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية هو نظام الحزبين وقد كانت بداياته تعود الى عام 1850,حيث تميزت تنظيمات الأحزاب فيه , بالضد من الأحزاب الشيوعية او الاشتراكية الديمقراطية, بلبراليتها وعدم مركزيتها . ان مثل هذه الأحزاب لم تعتمد على التنظيم الهرمي المركزي الذي ينفذ القرارات الصادرة من القيادة بصورة حرفية , بل يتألف من لجان انتخابية تنشط خلال فترات الانتخابات.
اسباب التعددية الحزبية..
نشوء الأحزاب له اسباب عديدة , يكون طبقيا... حيث تعاني طبقة ما في المجتمع بالأضطهاد على يد طبقة اخرى..
مما يدفع هذه الطبقة على تنظيم عملها في حزب والنضال من اجل تحقيق مصالحها . وقد شهد التاريخ امثلة كثيرة على ذلك. وقد تباينت الأراء في هذه ألأحزاب حول الطرق التي يجب اتباعها لتحقيق الأهداف المعلنة, فبعضهم اعتمد اسلوب الثورة او الأنقلاب المسلح لتحقيق الهدف ( الأحزاب الشيوعية او القومية),
والأخر في اروقة مجالس الشعب والنضال عبر الأنتخابات الديمقراطية للوصول الى السلطة التشريعية والتنفيذية ( احزاب الأشتراكية الديمقراطية او الأحزاب الليبرالية والمحافظة)..... السبب الأخر الذي يدفع الى تأسيس الحزب هو التطور الحضاري والمشاكل المرافقة له وتبلور مطالب معينة لايتم تحقيقها الى عن طريق تشكيل حزب, مثل تلوث البيئة, الذي دفع بكثير من الناشطين الى تنظيم عملهم في اطار احزاب تحت تسميات ما .... في النظام الديمقراطي يعيش المجتمع في حالة متحركة على جميع ألأصعدة, السياسية والاقتصادية والثقافية ...والى جانب نشوء الأحزاب يكون هناك ايضا زوال لبعضها عن الساحة السياسية.
يمكن تمييز الأحزاب بحسب الثوابت التالية:
التمييز حسب الدرجة التنظيمية..
ــ احزاب النخبة : تضم في صفوفها شخصيات معروفة ومؤثرة ولا تضم قاعدة جماهيرية واسعة.
علاقاتها التنظيمية مرنة وارتباط الأعضاء بالحزب ضعيف. النسبة بين عدد الأعضاء وعدد الناخبين تكون كبيرة , وتحت هذا النوع من الأحزاب تندرج الأحزاب المحافظة في اوربا وامريكا.
ــ الأحزاب الجماهيرية : تتميز هذه الأحزاب بعدد أعضائها الكبير وقوة ارتباطهم بالحزب, علاقة أعضاء الحزب مع بعضهم البعض ومع القيادة علاقة قوية.من ناحية عدد الناخبين لا يوجد فرق كبير عن أحزاب النخبة والأحزاب الأشتراكية الديمقراطية تعتبر من هذا النوع.
التميز حسب الأهداف الأجتماعية السياسية..
ــ الأحزاب القومية الشوفينية : هذا النوع من الأحزاب يرفض قواعد اللعبة الديمقراطية ويتميز بعدائه لبقية الأحزاب
الديمقراطية.
ــ الأحزاب المحافظة : مثل هذه الأحزاب تنتشر في معظم البلدان الأوربية وتتميز بتأثير الكنيسة على برامجها.
ــ الأحزاب الليبرالية : تسعى هذه الأحزاب الى تمثيل التوجه اليبرالي في مجتمعاتها سواء على المستوى السياسي اوالأقتصادي اوالثقافي وتدعوا الى كل مامن شانه ان يسمح للأنسان بالحرية وانعتاق ابداعاته الفردية وترى ان كل ذلك لايمكن تحقيقه الا في المجتمعات الديمقراطية والأقتصاد الحر. يمكن تصنيف معظم الأحزاب في اوربا بكونها احزاب ليبرالية.
التمييز حسب الوظيفة في النظام السياسي..
ــ الأحزاب الحاكمة : هي تلك الأحزاب التي استطاعت بعد الانتخابات, تشكيل الحكومة, بالأغلبية او بالأئتلاف.
ــ الأحزاب المعارضة : هي تلك الأحزاب التي لم تستطع بسبب عدم فوزها بالأنتخابات او لعدم قدرتها للدخول في ائتلاف, على تشكيل الحكومة. هناك مواصفات اخرى تميز الأحزاب بعضها عن البعض الأخر ولكنها ليست باهمية النقاط الوارة اعلاه.