التكوين المعماري عبر التاريخ
إن عصور ما قبل الإسلام تميزت كلٍّ على حسب طبيعتها بأسلوب تكويني معين فكانت أغلبها تقوم على أساس التمايز الديني واختلاف الآلهة وحسب الطبيعة البيئية لكل منها فكانت التكوينات في كل منها على الشكل التالي:
1-1- الحضارة اليونانية:
وكانت فيها التكوينات كما يلي:
1-1-1- المعابد: وكان لها تكوينان: a- معابد مستطيلة: ذات مسقط مستطيل لها مدخل شرقي تليها صالة مستطيلة يحيط بها رواق محمول على أعمدة بأشكال مختلفة وكان متعارفاً في المعابد أن عدد الأعمدة الجانبية تساوي ضعف عدد الأعمدة الأمامية مضافاً إليها واحد. من أهم الأمثلة عليها:
معبد الباتيتنون
معبد الإيركيتون
b- معابد دائرية: ذات مسقط دائري كانت تدعى كولس والمعبد يتألف من قسم دائري مقدس تحيط به الأعمدة ويتقدمه مدخل متطاول وفي داخل القسم المقدس توجد أعمدة على محيطه. وأهم الأمثلة: معبد ابيداور
1-1-2- البيوت والقصور:
إن اهتمام اليونان بالأبنية الدينية والعامة جعل اهتمامهم بالبيوت والقصور قليلاً.
مكان البيت الإغريقي يتألف من قسمين واحد للرجال والآخر للنساء وفيه فسحة سماوية تحيط بها أروقة. ثم تطور المسكن الإغريقي ليصبح أكثر اتساعاً وشمولاً حيث أصبح فناء داخلي حوله ممر محمول على أعمدة يوزع إلى الفعاليات الأخرى.
1-2- الحضارة الفارسية:
وكانت تكويناتها كما يلي:
1-2-1- المعابد:
لم يهتم الفارسيون بالمعابد كثيراً وكانوا يمارسون طقوسهم في قمة الجبال حول بناء ذو مسقط مربع أو مستطيل مبني من الحجارة وفي شكله يشبه البرج يصعد إليه بدرج. مثل معبد كنار.
1-2-2- القبور:
كان لها شكلان: الأول: هو عبارة عن مبنى مستطيل الشكل مبني بحجارة منتظمة فوق مصطبة مرتفعة.
الثاني: مقابر على شكل برج بداخله ضريح الميت.
1-2-3- القصور:
وكانت أكثر ما اهتم به الفارسيون ويتألف القصر الفارسي من الصالة الرئيسية وتكون مستطيلة الشكل حولها حجرات لكل منها مدخل مغطى برواق محمول ويقوم القصر على مصطبة مرتفعة مثل مصر اكسركيز أما المدخل الرئيسي فيؤدي إلى صالة الأعمدة (العبادات) وتحد مدخل التماثيل المركبة على جانبي المدخل.
1-3- الحضارة المصرية:
وكانت تكويناتها كما يلي:
1-3-1- العمارة الجنائزية" الأهرام":
وكان يتألف عادة من مسقط مربع يقوم على قاعدة متساوية الأضلاع حيث أن الجهة الشمالية تحوي المدخل ويكون متصل بممر منحدر يؤدي إلى أنه كان على وجه الدقة مجرد سقيفة أقيمت على طرف من أطراف الصحن, وهي مبنية من الأغصان والطين مرتكزة على جذوع النخيل, وهكذا فإن هذا المسجد الأول لم يكن ليحمل أي صفة معمارية, إلا أنه حدد المخطط الأولي لمسجد المستقبل بأجزائه الأساسية, وهي الصحن الواسع جداً, والحرم( ذو الأعمدة) الذي يحاذي الصحن, ويكون امتداداً له من جهة القبلة. والحرم قاعدة عريضة جداً وقليلة العمق, إذا تحددت نسب أبعادها منطقياً مع نظام الصلاة الجماعية.
1- الحرم:
وهو يحاذي الصحن ويعتبر امتداداً له من جهة القبلة والحرم قاعة عريضة جداً وقليلة العمق إذا تحددت نسب أبعادها منطقياً مع نظام الصلاة الجماعية قد يبنى في بعض الحالات من طابقين ويمكن أن يحوي على أروقة متجهة نحو القبلة أيضاً.
2- الصحن والفسقية:
يقسم المسجد إلى قسمين: أحدهما مسقوف للصلاة والآخر مكشوف هو الصحن. ولكي يعوض المعماري إحساس المصلي بعدم الانفصال عن السماء جعل في السقف القريب من جدار القبلة قرب المحراب قبة ترمز إلى السماء.
توسط الصحن المبنى الديني في جميع العصور الإسلامية واختلف مسطحه بالنسبة لمسطح المبنى.
وكذلك وجد في العصر المملوكي الشركسي الصحن المغطى بفانوس وغطيت أرضية الصحن في أول الأمر ببلاطات من الحجر الجيري ثم استعمل بعد ذلك الرخام الأبيض والأحمر والأسود بالأرضية بأشكال هندسية.
وتنفتح الحوائط على الصحن بواسطة عقود محمولة على أعمدة أو دعائم وابتداءً من العصر الأيوبي انفتحت حوائط الصحن عليه بواسطة عقود مدببة أو حدوة القرص المدببة (التي هي فتحات الإيوانات) الأربعة المطلة.
وتزيين حوائط الصحن بالحليات حول عقود الإيوانات والكورنيش أسفل الصحن مع استخدام الطراز على الشرفات التي تتوج الواجهات الداخلية كعناصر تزيين أيضاً..
وبوسط الصحن توجد الفسقية ويختلف حجمها حسب مسطح الصحن وهي عبارة عن حوض ضمن الطوب ويكسى من الداخل والخارج وفي منتصفه نافورة فوارة من الرخام أيضاً يتم تغذيتها بالمياه عن طريق البئر الموجود بالمبنى وحول الأرض ترتفع الأرضية بشكل مثمن أيضاً حوالي درجة واحدة عن أرضية الصحن ويدور حول الأرض (سلسال) غاطس. ويغطي الحوض بقبة من الخشب بها نوافذ وتحمل القبة على أعمدة من الرخام ويوجد مثال جيد للفسقية بمدرية السلطان حسن/ 1362م-1356م/.
ويستعمل هذا الحوض للوضوء وقد وضعت له الاشتراطات اللازمة لاستعماله في حجة /السلطان برقوق/ وليس كما أورد كريزويل بأن الفسقية كانت عنصراً جمالياً فقط وقد جرت العادة في حفل افتتاح المساجد بملء حوض الفسقية بشراب الليمون الذي يقدم للحاضرين.
أدخلت على المسجد أشياء أخرى للحاجة إليها ثم تكاملت مقومات المسجد الأساسية في النواحي التالية:
1- المنبر:
والمنبر في اللغة العربية هو مدفأة متنقلة ذات درجات وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في المسلمين بمسجده الشريف وهو واقفاً عند أحد الجذوع التي تحمل السقف ومتكئ على عصا من خشب الدوم ولاحظ المسلمون أن هذا الموقف يشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعبه فاقترحوا عليه أن يتخذ شيئاً يجلس عليه ويستريح فوافقهم على ذلك وصنع له رجلٌ يدعى (كلاب) كان في خدمة عمه العباس بن عبد المطلب. منبراً من خشب الأثل يتألف من ثلاث درجات. الأولى والثانية منها لصعوده والثالثة لجلوسه وارتفاعه ذراعان وثلاث أصابع وعرضه ذراع واحد وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة وتوالت بعد ذلك إقامة المنابر في المساجد في مختلف ديار المسلمين.
وزيد عدد درجاتها بسبب اتساع المساجد وكثرة عدد المصلين ولكي يتمكن المسلمون من رؤية الخطيب ويتمكن الخطيب من رؤيتهم.
وبات "المنبر" جزءاً أساسياً من مقومات المسجد الجامع وهو يصنع في الأغلب من الخشب وأبدع الفنانون المسلمون في نقش المنابر وزخرفتها واستخدمت الأخشاب الثمينة في صنعها.
2- المحراب:
تعارف العلماء على إطلاق كلمة" المحراب" على جدار القبلة وقد استعمل رسول الله (ص) الحربة والعترة في تحديد اتجاه القبلة أثناء الصلاة في الفضاء. ولم تعرف الكلمة بمعناها المعروف اليوم إلا بعد أن انتشر الإسلام مشرقاً ومغرباً وباتت هناك حاجة ملحة لتحديد اتجاه القبلة التي أمر الله تعالى عباده بالاتجاه إليها في صلواتهم.
وبعد أن أصبح المحراب جزءاً أساسياً في عمران المساجد استمر معنى كلمة "المحراب" على أنها تجويف في جدار المسجد باتجاه الكعبة المشرفة.
وكان بناة المساجد أولئك يكتفون بوضع علامة على الجدار المتجه نحو القبلة أو بدهان جزء من الجدار بلون مميز أو بوضع بلاطة بدلاً من ذلك وبذلك يقف الإمام إزاء الجدار ويؤدي الصلاة.
3- الرواق:
كان لأروقة المساجد دور كبير في أسلوب تدريس العلوم الدينية في المساجد الكبيرة والرواق هو الممر العريض المسقوف الذي يحيط بجميع أو معظم جهات المسجد وكان يسمى أيضاً( المجنبة) وهي الكلمة التي استعملها كثير من قدامى المؤرخين في وصف بعض المساجد.
هذه الأروقة كان العلماء يلقون دروسهم على المتعلمين ومن هذه الكلمة اشتقت كلمة الأروقة الموجودة في الجامع الأزهر بمصر حيث يجتمع الدارسون من جنسية معينة في مكان واحد- يسمى رواقاً – ليتلقوا العلم من أستاذهم فيه. فكان هناك رواق المغاربة ورواق الأتراك ورواق الشوام ورواق السودان ورواق الهنود وغيرها وكانت تلك الأروقة إضافات إلى المبنى الأساسي للأزهر- تبرع بها أهل الخير-.
وهكذا أصبحت إضافة الأروقة إلى المساجد وسيلة لتوسيعها دون المساس بالمبنى الأساسي وهناك أيضاً العناصر التي أدخلت على المسجد وهي الشمسيات والقمريات.
والشمسية شباك أو فتحة مزخرفة في جدار المسجد تقفل بلوح من الرخام أو الخشب المخروم, أما القمرية فهي فتحات مستديرة أو مربعة أو مسدسة أو مثمنة الهيئة تفتح في أعلى الجدران أو في رقاب القبب وتغطى بالزجاج الملون.
كما توجد أيضاً الزخارف والحلويات التي تفنن المسلمون في ابتداعها وجانبها الجمالي يأتي من تكرارها وتوازنها لملئ الفراغات ولوقاية الداخل إلى المسجد من الشمس والمطر وجدت الشماسات.
و الشماسات هي مظلة خشبية مزخرفة تقام فوق الأبواب والنوافذ وتعد إحدى العناصر الجمالية في عمارة المسجد.
4- المئذنة:
وهي المنارة التي يعلوها المؤذن ينادي إلى الصلاة في مواقيتها المعروفة. وكان أول من رفع الآذان هو بلال بن رباح (رض) مؤذن رسول الله (ص) ولم يكن هناك مكاناً معيناً في المسجد لرفع الآذان فكان بلال يرتقي أسطوانة مرتفعة في دار عبد الله بن عمر المواجه للمسجد النبوي الشريف.
ومع مرور الزمن باتت المئذنة قطاعاً قائماً بذاته وقد وجهت لها عناية كبيرة في التصميم والتنفيذ وتفاوتت ارتفاعاتها إلى عدة عشرات من الأمتار وزخرف بناؤها وزين بالنقوش الإسلامية البديعة وأعطت أشكالاً شتى ما بين مدورة ومربعة ومضلة وقاعدتها تتناسب طرداً مع ارتفاعها وبداخلها سلم حلزوني يصعد إلى شرفتها حيث يقف المؤذن وينادي للصلوات.
وأطلق على المئذنة – أيضاً – اسم (المنارة) وقد جاءت من القناديل التي كانت تضاء فيها ليلاً.
وتنوعت أشكال المآذن وهندستها بتنوع العــصور التي مرت على ديار المسلمين.
وأنشئت بعض المآذن من طبقات عديدة كل طبقة منها تختلف في تصميمها عن الطبقات الأخرى وأشهر أمثلتها مئذنة مسجد ابن طولون في القاهرة التي تتألف من ثلاث طبقات أولها وهي القاعدة مربعة والثانية أسطوانية والثالثة ذات ثمانية أضلاع من نماذج المآذن التي بلغت حداً عالياً من الروعة تصميماً وتنفيذاً مآذن المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة ومسجد السلطان حسن في القاهرة والجامع الأموي في دمشق.
5- العقد:
كانت تبنى على شكل صحن مكشوف وحوله إيوانات مسقوفة أهمها إيوان القبلة أو بيت الصلاة. وكان السقف في البداية يصنع من الجريد وسعف النخيل ويحمل على أعمدة من جذوع النخل أو كان السقف يصنع من الخشب ويحمل على عمد فوقها الأعتاب التي تحمل السقف.
ثم تطورت إلى العقود الحجرية التي يستعاض عن الأعتاب الخشبية العادية وكان لهذه العقود دور هام في تجديد طراز العمارة الإسلامية في الأمصار المختلفة.
وللعقود أشكال مختلفة فمنها العقود نصف الدائرية ومنها العقد الدائري المرتد الذي يشابه حدوة الفرس. ومنها العقد المدبب المرتد. ومنها العقد المخموس. والمخموس المرتفع ويطلق عليها المدبب وهو ينتج من تقاطع دائرتين. ولذلك فلانحنائه مركزين أما العقد المخموس ذو الثلاثة مراكز فيظهر من تسمية أن له ثلاثة مراكز. وكذلك العقد ذو الأربعة مراكز. أما العقد الثلاثي أو متعدد العقود فيطلق عليه كذلك متعدد الخانات أو المصفح أو المفصص. ومنها كذلك العقد المستقيم الذي يعلوه عقداً آخر منحني لتخفيف الحمل.
ونلاحظ أن أقوى هذه العقود هو العقد المدبب والمسنن لأن ثقل الأوزان المحملة عليه ينحدر إلى الأرجل ثم إلى كتف البناء. كما نلاحظ أن هذه العقود هي الأساس في تطوير السقوف المقببة والقباب.
2-2- العوامل المؤثرة في العمارة الإسلامية "الدينية":
1- البيئة:
تأثرت العمارة الإسلامية بما يحيطها فكان الاختلاف في الجزيئات داخل المساجد بين بيئة وأخرى. فالصحراء برمالها المنبسطة وأرضها الجدباء وسمائها الصافية أثرت في نفوس أصحابها.
وجاءت العمارة معهم تحاكي ما يقع عليه البصر في الأرض وما يمتد إليه النظر في السماء. فكان اتساع المساجد وامتداد المآذن وقيام القباب التي تماثل قبة السماء وقد أحيطت المساجد بالجدران لحماية قاصديها من الرياح وتركت صحونها مكشوفة إفساحاً في المجال أما الاتصال بالفضاء الرحب.
2- الدين:
وإذا كان للصحراء أثرها الأكبر في بناء المساجد الأولى فإن الدين كان له أثره في بناء المساجد فلإسلام يعد كل بقعة من الأرض مكاناً يجوز للمؤمن أن يؤدي ما فرضه الله من صلاة لذا جاءت المساجد صحوناً متسعة من الجدران.
وبما أن على المسلم أن يتجه في صلاته إلى قبلة بعينها فإن بناء المساجد ارتبط بهذا التوجيه الديني.
ومع خروج حضارات متنوعة نشأ فن معماري ديني جديد هو مزيج بين الموروث والمكتسب. وكان الفن المعماري أو مباني الفخامة مما يسمى بالمباني النُصُبيّة فمع أن غالبية أهل الأرياف في مصر يتخذون بيوتهم من اللبن، لا نجد المعماريين المصريين بنوا مسجداً ذا شأن بهذه المادة, ولا هم عملوا منها الجدران الخارجية أو الأسوار, مع أن ذلك كان شائعاً مثلاً في العراق, ولم يتخذ المصريون في مبانيهم الكبيرة جذوع النخل ولا الحجر غير المنحوت, واستعمالهم للملاط دقيق, وهم – في العادة– يستعملون الحد الأدنى منه, ويفضلون – لهذا – البناء بالحجارة الكبيرة, مما يقلل الحاجة إلى الملاط.
2- المحافظة على وحدة فنية البناء
3- الحرص على توازن الهيئة العامة للمبنى, وهذا التوازن لا يفتعل في المساجد افتعالاً بصورة شكلية, مثل بناء مئذنتين على جانبي المدخل أو على ركبتيه الأماميين, بل يتأتى من التوازن العام للمبنى كله, ومن أجمل مظاهر هذا التوازن في المساجد المملوكية, إنشاء القبة في طرف من المبنى والمئذنة في طرفه الآخر, فتكون النتيجة توازناً ترتاح إليه النفس, مع أن القبة مستديرة والمئذنة مستقيمة, ولكنهما تتوازنان في النظر والإحساس.
وهذا التوازن هو الصفة الأساسية التي حرص المعماري المصري على المحافظة عليها في كل عمل قام به.
وأنت إذا نظرت إلى مئذنة مصرية تبينت ذلك للوهلة الأولي, فهذه المئذنة تعتبر أجمل وارشق مآذن المساجد, فهي متوازنة في قُطر دائرتها وارتفاعها وعدد شرفات الآذان فيها, والشرفات نفسها موضوعة على مسافات محسوبة بحساب دقيق, ولا شك أن المئذنة المصرية – مثلها في ذلك المسلة المصرية القديمة- تعتبر من أجمل وأرشق الأشكال المعمارية التي ابتكرها الإنسان, وكما غزت هيئة المسلة المصرية انتقلت من مصر إلى بلاد إسلامية كثيرة, ووصلت إلى أقصى جنوب السودان وإلى أمريكا اللاتينية.
ومثل ذلك يقال عن القبة المصرية, فهي أيضاً آية في التوازن والانسجام, لا يعيبها طول الرقبة كما نجد في بعض القباب السلجوقية, ولا إسراف في انحناء العقود حتى تبدو وكأنها بصلة كما نجد في المساجد الهندية, وهي لا تعرف الانفراج الذب تفقد معه القبة وقعها كعمل معماري, وعلى الرغم من أن المصري لم يحاول زخرفة القبة بتغطيتها بالقاشاني الملون أو بتلوينها أو بتذهيبها فإنه وصل بها إلى درجة من الجمال أصبحت معه من أجمل القباب وأكملها.
5- الطراز المغربي:
من أهم الخصائص المميزة لهذا الطراز:
1) التركيز على بيت الصلاة والاهتمام بتعميق جوفه حتى يصبح مربعاً أو قريباً من المربع.
2) الاهتمام بالرواق الأوسط المؤدي إلى المحراب وجعله أوسع وأعلى سقفاً من الأروقة الأخرى, ومن مظاهر الاهتمام بذلك الرواق الأوسط التأنق في مدخله من ناحية الصحن. فيبدو هذا المدخل وكأنه مدخل رئيسي للجامع.
3) الاكتفاء في المجنبات برواقين أو ثلاثة, ويتسع نتيجة لذلك الصحن ويزداد رونقه بهاءً, لأن بوائك بيت الصلاة والمجنبات تطل عليه في تسلسل متشابه يزيد الشعور بالسعة والعمق.
4) الاكتفاء بقبة صغيرة أو قبتين. وتكون القباب دائماً فوق الرواق الأوسط.
5) جدار القبلة يغطي إلى ارتفاع نحو مترين بمربعات الخزف الملون المعروف بالزليج. وتترك بقية الحائط بياضاً وقد تزين بزخارف جصية. أما المحراب فيكون مجوفاً بسيطاً, وهو في الغالب من الرخام, ويحيطونه بإطار زخرفي خشبي أو من الزليج يصل إلى السقف أحياناً في هيئة بديعة.
6) السقوف خشبية مزخرفة تلتحم بالجدران بإطارات وأفاريز خشبية منقوشة. ويرتفع فوق المباني سقف محدب, يغطي الخارج بالقرميد الأحمر أو الأخضر وذلك بسبب كثرة الأمطار في المغرب والأندلس معاً.
7) جدران المسجد الخارجية كلها ضخمة تشبه الأسوار. وفي بعض الأحيان تقوم على أركان الجدران الخارجية أبراج حقيقية تستعمل للأذان أحياناً.
8) المئذنة تسمى الصومعة أو المنارة, وهي في هيئة برج يتألف من مربع سميك الجدران, وينتهي البدن بشرفة للأذان يطلع من وسطها بدن آخر أصغر من الأول تختم به المئذنة,فيقيمون عليه قبة صغيرة, وقد ينشئون فوق البدن الثاني بدناً ثالثاً أصغر منه, وتبنى الصومعة في الغالب في الجدار المقابل لجدار القبلة أو خارجه, ويكون لها مدخل خاص من خارج المسجد إلى جانب بابها الحصن, وقد تبنى من الآجر أو الحجر وقد تخصص من الخارج أو تغطى بالقاشاني, وتفتح النوافذ الصغيرة في الجدران لتضيء السلم الداخلي, وتكون هذه النوافذ على هيئة زخرفية جميلة تكسر فراغ الجدار.
9) تمتاز مساجد الطراز المغربي بمنابرها البديعة التي تعد أعمالاً فنية رائعة من الحفر والزخرفة على الخشب.
10) بوابات المساجد تكون –في العادة- ذات فخامة تستلفت النظر, فهي تقوم على عقود حدوة الفرس بفصوص أو بغير فصوص. وعقد المدخل يرتكز على كتف حجري منخفض وقد يزين الكتف بأعمدة رخامية, وتظل المدخل-أحياناً-شماسة خشبية مثقلة بالزينة.
11) عقود هذه المساجد مدببة أو حدوة حصان, وهي تقوم إما على دعائم من الحجر أو الآجر أو على أعمدة قصيرة من الرخام.
12) تحظى مساجد المغرب جميعاً بعناية بالغة فهي دائماً في غاية النظافة والرواء وتفرش أرضيتها بالسجاد المغربي المسمى بالزرابي.
13) وكل مساجد المغرب – سواء أكانت كبيرة أم صغيرة- تستعمل مدارس, وهي تتراوح بين مكاتب تحفيظ القرآن والجامعات.
14) تتشابه تلك المساجد –في المغرب كلها– تشابهاً لا نجده في أي طراز معماري إسلامي آخر, فسواء أكان المسجد قديماً أم حديثاً, وسواء أكان في القيروان أو في أغادير, فإن الهيئة العامة واحدة, بحيث لا يمكن أن يخطئ الإنسان في التعرف على مساجد هذا الطراز.
6- الطراز الأندلسي:
ولد هذا الطراز مع إنشاء الجزء الأول من مسجد قرطبة الجامع على يد عبد الرحمن الداخل وابنه هشام فيما بين سنتي 170و177 / 786و793.
ويرى بعض العلماء أن الطراز المغربي والأندلسي طراز واحد, ويرون أنهما متشابهان في الملامح والتطور التاريخي, وهذا غير صحيح, فقد ولد كل منهما مستقلاً عن الآخر, وكانت لكل منهما خصائصه المميزة وتطوره التاريخي الخاص به. وظل كل منهما مستقلاً في نطاقه متطوراً في ميدانه.
الطراز الأندلسي تولدت عنه طرز جديدة أندلسية خالصة كان لها أبعد الأثر في تاريخ العمارة العالمية. وهي الطراز المستعربي و الطراز المدجني الذي ينسب في بعض مظاهره إلى المريسكيين أي العرب الصغار ونسميهم في العادة بالعرب المستعجمين, ونتحدث عن تلك الطرز الأندلسية بإيجاز فنقول:
* - طراز الخلافة:
يعتبر مسجد قرطبة الجامع - بمراحل بنائه الأربع- النموذج الرئيسي الذي تتجلى فيه خصائص هذا الطراز. وقد تحدثنا عن هذا المسجد بتفصيل في كلامنا عن المساجد الألفية القديمة بما يغني عن وصفه هنا.
وأهم خصائص طراز الخلافة وصالة البناء والاعتماد على الحجر المنحوت فيما عدا بعض أغراض الزينة, واستعمال الأعمدة الرخامية الرفيعة الأبدان, وتقويتها بقواعد صلبة من الحجر, وتزيينها بتيجان رخامية مزخرفة تشبه الرؤوس المركبة للأعمدة الرومانية, ثم رفع عقود مستديرة مفردة أو مزدوجة على هذه الأعمدة.
وقد ابتكر المعماريون الذين صمموا هذه العقود, طريقة المزاوجة في صنجات العقد بين الحجر المنحوت وقوالب الآجر, توضع قائمة على ضلع سمكها فيكون لذلك التزاوج بين لون الحجر الأصفر والآجر الأحمر منظر خلاّب, وقد أبدع المعماريون في إحكام توازن هذه العقود, حتى إنهم عندما أرادوا تعلية السقف أقاموا فوق الأعمدة دعائم من الحجر, ثم رفعوا عقوداً ثانيةً من نفس الطراز واعلوا الجدر ثم وضعوا السقف. وزينت الجدران في أعاليها بشماسات رخامية, وزينت أبواب الجامع بشماسات حقيقية أو صماء وربما زين الجدار أعلاها بأشكال أعمدة صماء.
وقد تحول هذا الطراز – في آخر صوره- إلى طراز زخرفي مثقل بالزخارف والمقرنصات والشماسات والقمريات, على صورة تبهر العقول ولكنها لا توقع في النفس ذلك الشعور بالجلال الذي تتركه آثار طراز الخلافة الرصين الأصيل. وهذا التطور الأخير - الذي يعتبر آخر الفصول في تاريخ العمارة الإسلامية في الأندلس– يسمى بطراز الحمراء أو الفن النصري.
كانت بلاد الأندلس عامرة بالمساجد, في قرطبة وحدها عدّوا أكثر من ثلاثة آلف مسجد, وقد عمرت مدائن الأندلس الكثيرة بألوف المساجد تمتد من جبال البرت في الشمال إلى جبل طارق في الجنوب, فأين ذهب ذلك كله؟ لقد مضى إلى حال سبيله كأنه سفين ضخم غرق في اليم, ولم تبقى منه إلا بقايا شبيهة بحطام السفين الغارق. ولهذا فإن المتحدث عن الفن الأندلسي إنما يتحدث عن حطام وبقايا ولكنه حطام يروع النفس ويقف شاهداً على مجد معماري عظيم.