المأزق التركي حيال الثورات العربية
أنس محمود الشيخ مظهر
تعتبر تركيا النموذج الذي شجع الدول الغربية وأميركا على التفكير بإمكانية التعامل السياسي مع أي نظام إسلامي آخر؛ بما أظهره حزب التنمية والعدالة من مرونة في التعامل والاندماج في المجتمع الدولي؛ حالها حال أي دولة متحضرة أخرى, مما عمل على محو الفكرة التي كانت راسخة عند الغرب باستحالة التعامل السياسي الهادئ مع أي نظام إسلامي في الدول العربية أو غيرها، مما دفع أميركا وأوروبا إلى التخلي بسهولة عن عملائها في المنطقة بعدما لاحظت قوة وجدية التظاهرات التي تجتاح الدول العربية.
فموقف تركيا تجاه الثورات العربية الحالية ليس نابعا من رؤية آنية لها, بل تشمل قراءة مستقبلية لهذه الثورات بما تستشفها تركيا من النتائج البعيدة المدى لهذه الثورات، فنراها تسارع في تشجيع رؤساء الشعوب الثائرة لطرح مشاريع الإصلاح لدرء خطر نجاح هذه الثورات, وفي نفس الوقت تعمل على تقديم بعض الخدمات الإنسانية تجاه هذه الثورات لمحو الموقف السياسي لها، والذي قد يتعلق بذاكرة الشعوب الثائرة هذه تجاه تركيا. كما أن إطالة حالة اللااستقرار في البلدان العربية سوف تؤثر في الاقتصاد التركي, باعتبار أن المنطقة العربية هي التي تستحوذ على الجزء الأكبر من حجم الصادرات التركية، وأن أي عدم استقرار في هذه المنطقة سوف يؤثر سلبا في هذه الصادرات وفي الاقتصاد التركي.
إن تحرك الشارع السوري ضد حكومة بشار الأسد يشكل عند تركيا الهاجس الأكبر حاليا, إذ إن أي خلخلة في الوضع السياسي في سورية يمكن أن تدفع بكرد سورية لإعلاء سقف تطلعاتهم، وتتبع خطوات كردستان العراق بشكل أو بآخر, مما سيساعد على تقوية التطلعات الكردية في كردستان تركيا الأمر الذي سيدفع تركيا إلى القيام بتنازلات أكثر للجانب الكردي، وقد يودي إلى نشوء كيان كردستاني آخر، وهذا الأمر يمثل آخر ما تتمناه تركيا.
فنشوء حكومات إسلامية سنية سواء كانت معتدلة أم سلفية سيساعد على إذكاء الفكر الطائفي في المنطقة بين الدول العربية “السنية” من جهة وإيران “الشيعية” من جهة أخرى, وهذا الأمر سوف يدعو تركيا إلى مستوجبات جديدة هي في غنى عنها باعتبارها تمثل دولة سنية في المنطقة، ولن يكون من السهل وقوفها على الحياد في هذا الموضوع. ومن جهة أخرى فإن أي إضعاف لإيران “الشيعية” في هكذا ظرف سوف يؤدي أيضا إلى ظهور المكون الكردي في كردستان إيران أيضا، مما يؤثر سلبا في الوضع التركي الداخلي بالنسبة لكردستان تركيا.
ويبدو مما سبق أن تركيا هي إحدى الجهات الأكثر تضررا من الثورات العربية الجديدة في المنطقة، ولندع المستقبل يكشف لنا كيف ستكون نتائج هذه الثورات على المنطقة وعلى تركيا أردوغان.
* كردستان العراق